سورة الإسراء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58)} [الإسراء: 17/ 56- 58].
أخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجنّيون، واستمسك الآخرون بعبادتهم، فأنزل الله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} الآية.
وعلى الرغم من هذه الرواية، اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي في عبدة العزير والمسيح وأمه ونحوهم.
وقال ابن عباس أيضا وابن مسعود: هي في عبدة الأوثان والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه، وأي ذلك كان.
وقال ابن عباس أيضا وابن مسعود: هي في عبدة الملائكة.
وقال ابن مسعود أيضا: هي في عبادة شياطين كانوا في عهد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فأسلم أولئك الشياطين، وبقي عبدتهم يعبدونهم، فنزلت الآية في ذلك.
وفي الجملة: هذه الآيات في عبادة غير الله عز وجل، والمعنى: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله، كالأصنام وغيرها، هل يجيبونكم؟ واطلبوا منهم كشف الضرّ عنكم: من فقر ومرض وقحط وغير ذلك! وانتظروا هل يستطيعون كشف الضر عنكم، أو تحويله أو تبديله من مكان لغيره، أو من واحد إلى آخر؟ إنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فلا يقدرون على ذلك لغيرهم. وإنما الذي يقدر عليه: هو الله وحده لا شريك له، الذي له الخلق والأمر. أولئك المعبودون من دون الله يطلبون التقرب إلى الله، والتزلف إليه، بالعبادات والطاعات، وهذه حقيقة حالهم، إنهم يبتغون الوسيلة إلى الله وهي القربة وسبب الوصول إلى البغية، ويطلب من هو أقرب منهم الوسيلة إلى الله تعالى، فكيف بغير الأقرب؟ فكل من الكفار العابدين والمعبودين ينتظرون أن يكونوا أيهم أقرب، ويرجون رحمة ربهم، ويخافون عذابه، فلا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء، فبالخوف يبتعد الإنسان عن المعاصي، وبالرجاء يكثر من الطاعات، وعلة الخوف من العذاب: أن عذاب ربك كان مخوفا لا أمان لأحد منه، فينبغي أن يحذره جميع العباد من الملائكة والأنبياء وغيرهم، فكيف أنتم؟
ثم أخبر الله تعالى بخبر عام قهر جميع الخلائق بواسطة ألا وهي الموت والهلاك، ففي قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ} أخبر الله تعالى في هذه الآية: أنه ليس مدينة من المدن إلا هي هالكة قبل يوم القيامة بالموت والفناء، وأخذها جزءا جزءا. وقيل: المراد: كل مدينة ظالمة فهي مهلكة، أو معذبة عذابا شديدا بقتل أو ابتلاء، لا ظلما، وإنما بسبب ذنوب أهلها وظلمهم، كان ذلك الحكم حكما عاما، ثابتا، مدوّنا في علم الله أو في اللوح المحفوظ، أخرج الترمذي عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب المقدّر، وما هو كائن إلى يوم القيامة».
وعلى أي حال، سواء كان التهديد بالإهلاك لكل قرية أو أهلها عموما، أو قرية ظالمة، فإن الخطر ينتظر الجميع، والمسؤولية والجزاء يعمان الكل، وهذا كاف في تخويف الناس وحملهم على التزام الطاعة، والبعد عن المنكر والمعصية، لأن من علم أنه مسئول ومعرّض للعقاب، اقتصد في إسرافه في المعاصي، وأقبل على ساحات الطاعة، حتى ينجو من العذاب الأليم. والهلاك الدنيوي إما أن يكون بسبب القحط والخسف غرقا، وإما بالاقتتال بالفتن أو بهما معا، وصور الهلاك كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى، فأما الإهلاك بالفتنة، فبسبب الظلم من كفر، أو معاص، أو تقصير في دفاع، وأما القحط أو الخسف فيصيب الله به من يشاء، كما نلاحظ في كل زمان ومكان.
طلب الآيات التعجيزية:
إن الإصرار على التكذيب أو الإفراط في الكفر والعناد هو الذي يدفع المكذبين والمعاندين إلى المطالبة بشيء بعيد الحصول أو غريب المنال، تمشيا مع مواقفهم المتصلبة، وعقولهم الجامدة، وتحدياتهم السافرة، وهذا شأن قريش في صدر الدعوة الإسلامية، طالبوا نبي الله صلّى اللّه عليه وسلّم بتحقيق أشياء لا قدرة له عليها، ليظلوا على موقفهم المتعنّت وضلالهم المتأصّل، وهو لا يعد تسويغا لكفرهم، أو نصرا لضلالهم، وإنما يدل ذلك على خروجهم عن الأصول العقلية، واليأس من إيمانهم وصلاحهم، وهذا ما حكاه القرآن ليسجل عليهم هذا الإصرار والعناد، وليسقطوا من حساب العقل وميزان التاريخ، على مدى الزمان، قال الله تعالى:


{وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (60)} [الإسراء: 17/ 59- 60].
سبب نزول الآية الأولى:
أن قريشا اقترحوا على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، واقترح بعضهم أن يزيل عنهم الجبال حتى يزرعوا الأرض، فأوحى الله تعالى إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم: إن شئت أفعل ذلك لهم، فإن تأخروا عن الإيمان، عاجلتهم العقوبة، وإن شئت استأنيت بهم، عسى أن أجتبي منهم مؤمنين، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: «بل تستأني بهم يا رب».
فأخبر الله تعالى في هذه الآية: أنه لم يمنعه من إرسال الآيات المقترحة من قريش إلا التمهل أو الاستيناء، لأن عادة الله في الأمم السالفة هي تعجيلهم بالعقاب، بعد أن جاءتهم الآية المقترحة، فلم يؤمنوا.
والمعنى: ما صرفنا عن الإتيان بما يقترحونه من الآيات إلا تكذيب المتقدمين الأولين بأمثالها، فإن أتينا بها، وكذب بها أهل مكة وأمثالهم، عجلنا لهم العذاب، ولم يؤخروا، كما هي سنة الله في خلقه. وسمى الله تعالى سبق قضائه بتكذيب من كذّب وتعذيبه منعا في قوله تعالى: {وَما مَنَعَنا} أي ما منعنا الإرسال إلا التكذيب.
ومن أمثلة تلك الآيات المقترحة من السابقين الأولين وتكذيبهم بها: ناقة صالح عليه السلام لثمود، فلما عقروها وكذبوا نبيهم، عاجلهم الله بعذاب الصيحة، وبقيت آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم، يبصرها الذاهب والعائد، كما قال الله تعالى: {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها} أي: وأعطينا قبيلة ثمود الناقة حجة واضحة دالة على وحدانية خالقها، وصدق رسوله. وقوله: { مُبْصِرَةً} أي حجة بيّنة، أو ذات إبصار يدركها الناس، أو معها إبصار لمن ينظر، وهذا عبارة عن بيان أمرها ووضوح إعجازها.
{فَظَلَمُوا بِها} أي كفروا بها، ومنعوها حظها من الشرب، وقتلوها، ووضعوا الفعل غير موضعه، أي بعقرها، فأبادهم الله جميعا.
وهذا للعبرة يقاس عليها، لذا قال الله تعالى بعدئذ: {وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} أي ولا نبعث بالآيات غير المقترحة إلا تخويفا للناس من نزول العذاب العاجل، وهي آيات معها إمهال كالكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح وغير ذلك، لعلهم يعتبرون ويتعظون ويتذكرون.
ثم بشر الله نبيه بأنه في حياطة الله ومنعه وحفظه، في قوله: {وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ} بإقداره أي واذكر إذا أوحينا إليك أن الله قادر على عباده، وأنك محفوظ من الكفرة الأعداء، آمن من القتل أو الإصابة بمكروه عظيم، فلتبلّغ رسالة ربك، ولا تتهيب أحدا من المخلوقين، وهذا توطئة لما بعده، وهو:
وما جعلنا الرؤيا البصرية في اليقظة والمعاينة الحقيقية، وهي ما رآه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في ليلة الإسراء، وما أطلعه الله عليه، إلا اختبارا وامتحانا للناس، لمعرفة المؤمنين الصادقين، والكافرين المكذبين، معرفة ينكشف بها حالهم أمام الناس، لا بالنسبة لله عز وجل، فالله على علم سابق بكل ما سيحصل، والواقع مطابق لما في علم الله، فقد كذب بالإسراء قوم وكفروا، وصدّق به آخرون.
وما جعلنا أيضا الشجرة الملعونة في القرآن وهي شجرة الزقوم التي هي في أبعد مكان من الرحمة، إلا فتنة للناس، أي اختبارا لهم، مثل حادث الإسراء والمعراج، فمنهم من ازداد إيمانا، فكثير من الأشياء لا تحرقها النار، ومنهم من ازداد كفرا كأبي جهل وعبد الله بن الزّبعرى، وقالوا متهكمين متحدين: وما الزقوم إلا التمر والزّبد؟ فجعلوا يأكلون ويتزقمون. قال النقاش: إن في ذلك نزلت.
ونخوّف الكفار بالوعيد والعذاب والتنكيل في الدنيا والآخرة، فما يزيدهم التخويف إلا تماديا في الطغيان، وإمعانا في الضلال، وهو كفرهم وانهماكهم فيه، فكيف يؤمن قوم، هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات؟!
أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام:
ليس هناك أعظم تكريما للإنسان بأصله وجنسه من أمر الله تعالى ملائكته بالسجود لآدم عليه السلام، ليعلم البشر علو منزلتهم، ورفعة مكانتهم عند الله، فيتجاوبوا مع هذا التكريم، ويكونوا على مستوى حسن الظن بهم، والعمل بما يرضي الله من أفعالهم وأقوالهم، وقد تكرر الإخبار بهذا الأمر الإلهي في بدء الخليقة في القرآن سبع مرات للتذكير والعظة، قال الله تعالى:


{وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (64) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65)} [الإسراء: 17/ 61- 65].
هذه مشكلة البشرية، إنهم في جهاد وكفاح، أمام وسوسة الشيطان وإغوائه.
بدأت المشكلة حين أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية ومحبة وتكريم، لا سجود عبادة وخضوع، فسجدوا كلهم إلا إبليس أبى واستكبر عن السجود، افتخارا على آدم، وتعاليا عليه، قائلا: أأسجد له وهو طين، وأنا مخلوق من عنصر أسمى وأعلى وهو النار؟! وهو في ذلك لجأ إلى القياس فأخطأ حيث رأى الفضيلة لنفسه من جهة أن النار أفضل من الطين، وجهل أن الفضائل في الأشياء لا بأصولها، وإنما بما خصصها الله به.
وقال أيضا بجرأة وكفر: أخبرني عن هذا الذي فضّلته: لم كرّمته علي، وأنا خير منه؟ وكأنه ينسب الجور لربه، قسما لئن أبقيتني إلى يوم القيامة لأستأصلن ذريته بالإغواء، ولأستولين عليهم بالإضلال إلا قليلا منهم، وهم العباد المخلصون الذين وصفهم الله تعالى بقوله: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} [الحجر: 15/ 42]. أي إن عبادي الصالحين لا تقدر أن تغويهم، فأجابه الله لطلبه لحكمة يعلمها، وأخره قائلا له: امض لشأنك الذي اخترته لنفسك خذلانا وتخلية، فمن أطاعك واتبعك منهم، فإن جهنم مقركم، ومأواكم، جزاء موفرا محفوظا، كاملا لا ينقص منه شيء.
واستخفّ واستنفر من تريد من العباد بدعوتك إلى المعاصي، بكل ما أوتيت من قوة وإغراء ووسوسة، والمراد بقوله: {بِصَوْتِكَ} أي بدعائك إلى معصية الله تعالى واجمع عليهم جندك فرسانا ومشاة، وهذا تمثيل يراد به: التسليط عليهم بكل ما تقدر عليه من القوة، واجمع لهم كل مكايدك، ولا تدخر وسعا في إغوائهم، مستخدما كل الأتباع والأعوان.
وشاركهم في الأموال والأولاد بتحريضهم على كسب المال وإنفاقه في المعاصي، من لهو ومجون وربا، وخمور، وفواحش، وقتل وتخريب، ونحو ذلك، وقوله سبحانه: {وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ} عام لكل معصية يصنعها الناس بالمال، فذلك هو حظ إبليس. وقوله عز وجل: {وَالْأَوْلادِ} عام لكل ما يصنع من أمر الذرية في المعاصي، بالإنجاب الحرام كالزنى وغيره، وبالوأد للبنات الذي كانت بعض العرب تفعله، وصبغ الأولاد في ملل الكفر والضلال.
وعدهم المواعيد الكاذبة الباطلة، من شفاعة الآلهة المزعومة، ومنّهم بما لا يتم لهم، وبأنهم غير مبعوثين، فهذه مشاركة في النفوس. ثم أخبر الله تعالى أنه إنما يعدهم الشيطان غرورا منه، أي كذبا وباطلا في صورة الحق، فمواعيد الشيطان كلها خدعة وتزيين كاذب، لأنه لا يغني عنهم شيئا.
ثم قال الله لإبليس: { إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} أي إن عبادي المؤمنين المخلصين الصالحين لا تقدر أن تغويهم، فهم محفوظون محروسون من الشيطان الرجيم. وكفى بالله حافظا ومؤيدا وقيما على الهداية، ونصيرا للمؤمنين الصالحين المتوكلين عليه، الذين يستعينون به على التخلص من وساوس الشيطان، وهذا دليل على أن المعصوم: من عصمه الله، وأن الإنسان بحاجة دائما إلى عون الله جل جلاله.
وفي قوله تعالى: {إِنَّ عِبادِي} الإضافة للتعظيم، فتدل على تخصيص العباد بالمخلصين، علما بأن العباد اسم عام لجميع الخلق، وذلك بقصد تشريفهم والتنويه بهم، كما يقول رجل لأحد بنيه، إذا رأى منه ما يجب: هذا ابني. على معنى التنبيه والتشريف له.
ومنه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص: «هذا خالي، فليرني امرؤ خاله».
إن هذا الاختبار والامتحان بين إبليس وآدم، وبين الشيطان وذرية آدم كفيل بمعرفة أهل العزم والجهاد الذين يتخلصون من وساوس الشيطان، وأولئك الذين ينقادون لشياطينهم، فيخسرون الدنيا والآخرة خسرانا مبينا.
نعمة الإبحار:
الكرة الأرضية قسمان: بر وبحر، يابس وماء، أودع الله تعالى في كل قسم نعما وفيرة وأفضالا سابغة كثيرة، ففي البر: المعادن السائلة والجامدة، وخيرات الزروع والثمار، وفي البحر: النفط واللؤلؤ والمرجان والأسماك وغيرها، ويسر الله للإنسان الإبحار في البحار بوسائط السفن المسيّرة قديما وحديثا بالرياح وهي السفن الشراعية، وحديثا بالسفن المعتمدة على الطاقة البخارية أو الكهربائية أو الذرية والمحركات الآلية، ليتيسر للناس عبور البحر ونقل الركاب والبضائع والنفط وغير ذلك، وهذا يدعو لشكر نعمة الله عز وجل، والإقرار بالخالق الموجد الذي يحقق مصالح البشر، فقال الله سبحانه:

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9